لا يوجد دولة تشبه مصر بروعة استقبال شهر رمضان والاحتفال به. ولا يوجد دولة أجمل من مصر في أحيائها وأسواقها الشعبية عند حلول هذا الشهر المبارك. إن مصر تستحق الزيارة خلال شهر رمضان لأن التجوّل فيها يعدّ متعة حقيقية، وكل مدنها تتغير خلال الموسم الرمضاني. ولكن تبقى القاهرة تحتفظ بالحصة الكبرى من الجمال والمتعة، خصوصاً الأحياء التراثية منها.
حينما تزور القاهرة خلال شهر رمضان، توجه إلى شارع الخيامية، وستجد سوقاً شعبياً يعجّ بالزينة الرمضانية وبكل ما له علاقة برمضان. ومن شارع الخيامية ستنتقل إلى شاعر المعز، وفي هذا الشارع ستتفاجأ بفوانيس رمضان النحاسية في الكثير من المتاجر؛ فوانيس رائعة وجميلة ومن كل الأحجام. بعدها ستذهب إلى شارع باب البحر، حيث تنتظرك المتاجر الكثيرة وخصوصاً متاجر المواد الغذائية والتمور وكل ما تحتاجه لهذا الشهر الكريم. وأخيراً ستحط في حارة الصنادقية في منطقة الأزهر، وهي حارة مليئة بمتاجر التوابل والبهارات والألعاب والزينة الرمضانية.
مكانة شهر رمضان في حياة المصريين
مصر ذات غالبية مسلمة، وشعبها الطيب والكريم يعتنق الدين الإسلامي ويمارس شعائره بحب وعاطفة منذ مئات السنين. ولهذا ستجد كيف تنتشر المساجد الكثيرة منذ القدم في مختلف المدن المصرية. ويحافظ المصريون على الذهاب إلى المساجد كل يوم، ويلتزمون بأداء صلاة الجمعة كل أسبوع في المساجد الكبيرة في مدن ومحافظات مصر كافة.
وقد كان لشهر رمضان ومازال مكانة خاصة في حياة المجتمع المصري. ويبدو أن بعض العوامل التاريخية هي التي ساهمت في توطيد هذه العلاقة وبقوة. وهناك من يُرجع ذلك إلى عهد الدولة الفاطمية، خصوصاً وأن شياع الفوانيس، على سبيل المثال، يعود لذلك العهد، حيث كانت تضاء بها الشوارع بشكل جميل من بداية رمضان إلى نهايته. ثم بعد ذلك أصبح استخدام الفوانيس للإضاءة عادة شعبية في المجتمع المصري ومن ثم في المجتمعات العربية كافة. ويعتبر الفانوس الآن أيقونة من أيقونات شهر رمضان في مصر حيث ينتشر بكثرة حين حلول هذا الشهر الكريم.
عادات وتقاليد المصريين خلال شهر رمضان
تعود العادات والتقاليد الرمضانية في مصر إلى عهود قديمة، وهم يتوارثونها جيلاً بعد جيل، مع إضفاء شيء من الحداثة عليها في العصور الأخيرة. ويبدأ المصريون بالاستعداد للشهر الكريم كل عام قبل أسبوعين من بدايته. فتتزين الشوارع الرئيسية، وخصوصاً طرقات الأسواق الشعبية، بزينة خاصة بهذا الشهر. وأينما تنقلت في المدن والأحياء ستجد فانوس رمضان حاضراً إما من خلال الإضاءة أو كمجرد زينة.
وفي رمضان يعرض التجار بضائعهم الخاصة بهذا الشهر. فتظهر زينة رمضان في متاجر الشوارع الرئيسية، وتبيع محلات الحلويات الحلويات الرمضانية الشهيرة، وعلى رأسها الكنافة. وتعج متاجر البهارات والتوابل والتمور بالناس التي تريد شراء حصتها الكافية خلال هذا الشهر.
ومن العادات الرمضانية الجميلة في مصر اجتماع العائلات والأسر على الإفطار يومياً. أو تبادل الزيارات بعد الإفطار. وقد تكون اللقاءات في المنزل أو في المطاعم والمقاهي.
ومن العادات الجميلة أيضاً ضرب مدفع الإفطار يومياً، وهي عادة قديمة كانت معتمدة كوسيلة لإعلام الناس في وسط المدينة وفي أطرافها بحلول وقت المغرب، وأن بإمكانهم تناول طعام الإفطار.
مظاهر الاحتفالات الدينية في مصر خلال شهر رمضان
يشكل المسجد محوراً أساسياً في حياة المصريين وخصوصا خلال شهر رمضان المبارك. ويزيد ارتياده خصوصاً في المساء لأداء صلاة التراويح. ويفد المصريون أيضاً إلى هذه المساجد للاستماع للمحاضرات الدينية، وأغلبها يتمحور حول فضيلة هذا الشهر وأهميته وبعض الأسس الفقهية المتعلقة بأحكام الصوم.
ويكثر في مصر خلال شهر رمضان التبرع لأجل توفير طعام الإفطار للفقراء. ويتم عمل ولائم إفطار في أماكن مخصصة، أو إيصال وجبات طعام إلى المنازل. ويتطوع لهذا العمل الجميل الكثير من المصريين، ويقدم أهل الخير إحسانهم طمعاً بمغفرة الرحمن.
وتُبث بهذه المناسبة بعض الأناشيد والموالد احتفاء بقدوم هذا الشهر الكريم. ويمكن سماعها إما من خلال بعض القنوات والإذاعات أو من خلال تنظيم بعض المناسبات في المدارس وغيرها.
كما تنظم في هذا الشهر حلقات لختم القرآن الكريم، أو لحفظه. وتزداد حلقات تعليم القرآن وتفسيره من قبل العلماء والمشايخ.
مظاهر الاحتفالات الشعبية في مصر خلال شهر رمضان
المظاهر الاحتفالية بطرازها الشعبي هو أكثر ما يطبع الشعب المصري خلال شهر رمضان. وتستطيع أن تستشعر الأجواء الاحتفالية احتفاء بقدوم الشهر الكريم في كل مدينة تصل إليها. وتبدأ الاحتفاليات من ليلة رؤية الهلال وصولاً إلى عيد الفطر السعيد. وبالتدقيق في الكثير من المظاهر الاحتفالية هذه سنجد لها جذوراً من الحقبات القديمة وخصوصاً حقبة الحكم الفاطمي.
ويشكل خروج الناس إلى الأسواق بكثافة استثنائية إحدى مظاهر الاحتفال بشهر رمضان المبارك. يليها أجواء الفرح في المنازل والبيوت وفي المطاعم والخيم الرمضانية والتي يسهر فيها الناس إلى الفجر.
خاتمة
ما سردناه من مظاهر احتفالية هو بعض ما يمكن أن يذكر، وإلا فإن مصر غنية بالكثير من المظاهر الاحتفالية التي تحتفي بقدوم شهر رمضان والتي يحتاج ذكرها إلى إفراد مقالة كبيرة.